ينساب القطارعبر القضبان الحديديةكالثعبان...صفيره يتعالى كلما اقترب من احدى المحطات..
كنت قد انزويت باحدى المقصورات مستندا على متكئ المقعد الجلدي, وعيناي تتابعان عبر زجاج النافذة توالي المناظر الطبيعية وانسيابها..كان يجلس بجانبي كهل اصلع وبمواجهتي زوجان في مقتبل العمر, كان الكهل غارق في صمته يتصفح مجلة قديمة, اما الزوجان فكانا يدردشان مع بعضهما ويتبادلان الضحكات.
كنت قد ركبت القطار قبل لحظة من محطة الوزيس بالدارالبيضاء..بعد زيارة وجيزة للاهل حصلت خلالها على شحنة عاطفية تساعدني على مقاومة الصمت وجفاف الايام بالمنفى الجبلي الذي اعيش به..كان القطار يطوي المسافات ومعه تطوى كل اللحظات الجميلة التي صرفتها منشرحا بين الاهل والخلان..ومع توالي المحطات التي كان القطار يتركها خلفه(برشيد, سيدي العايدي, بوفروج , سطات....)كنت احس انني اقترب من من بداية ايام صمت جديدة...
نزل الرجل الاصلع بمحطة بنجرير ثم اخدت مكانه امرأة امازيغية متوسطة العمر صعدت لتوها...الزوجان واصلا حديثهما وغزلهما غير آبهين باحد..اما انا فواصلت رحلة تيهي الذهنية ..¨(انقضت الان عشر سنوات على تعييني بمنطقة جبلية بنواحي مراكش ..مازلت اعزبا اعيش على اعتاب الحلم..لاشيء يسمح لي ببداية حياة عادية , كم اغبط هذين الزوجين على سعادتهما..)
يصل القطار الى محطة مراكش..يتسارع المسافرون نحو ابواب العربات مغادرين مقصوراتهم , كل له وضعه الخاص وله جنته او جحيمه, تأخرت في النزول لانني كنت احس بفداحة ما ينتظرني بعد حين ساركب سيارة الطاكسي نحو الفيلاج الذي يقع اسفل الجبل..ثم اقطع مسافة يعلم الله وحده كم هي عسيرةوصعبة على ظهر بغل , اختص في صعود المنعرجات الجبلية..ساصل الى القسم واعانق اليباب القاتل كالعادة , وتتكرر تلك الدورة الروتينية ..تلاميذ في منتهى البِؤس وانا في منتهى الحرمان نمارس لعبة التعليم والتعلم في انتظار الذي سيأتي , او لا يأتي ..عدت الى خلدي وجدت مقصورات القطار قد اصبحت خالية ..هرولت نحو الباب اجر ورائي حقيبتي الصغيرة ,واذيال خيبتي......