قراءة حول سرديات عبد الله المتقي
بقلم : عزيزة رحموني
عبدالله المتقي مثقف يرفض العوم خارج نطاق الوجود: قاص مبدع رسخ اسمه في الساحة الابداعية.،متنوعة إسهاماته الأدبية بين الشعر والقص القصير. سواء كنت تؤيد إيمانه ب ق-ق-ج أمتنتقد رؤاه فلا يسعك إلا أن تسلّم بحضوره الإبداعي والثقافي المشّع في الساحة المغربية-العربية. حين تقرأ له تشعر بأنك أمام وعي مرهف يمسك طرف الدعابة و عمق الحكمة. نصوصه تحاكي الواقع بأسلوب يختزل الفكرة، يسبر غورها ليمنحها ألقا يمنح القارئ زخما بلون الدهشة. في محراب المتقي لا نتساءل من يخدم الآخر؟ التخييل أم اللغة،موروثه الثقافي، أم مخزونه المعرفي ؟.كل ذلك مجموعة ترسبات في عمقه، تعطيه خصوصيته،فمن \"كرسي ازرق\" و\"قليل من الملائكة\" الى\"مطعم هالة\" عوالم سحرية بين دفاتها ثنائيات= الموت-الحياة/الرجل-المرأة و ما يدور في فلكهما من حب، خيانة، رغبة ، متعة ، حرمان،خيبات ... و كثير من مشاعر متباينة. إبداعات تفتح جروحات الواقع و شرايين المجتمع و تلافيف الذاكرة... في الكرسي الأزرق يأتينااللون لغة خاصة في بعد رمزي له تفاعل مع المعاش-المحسوس و كل ما يفجر الأسئلة. يجس نبض المجتمع بإيقاعات سردية تغوص في تيمات محددة تتمدد أحيانا و تتكاثف أحيانا أخرى داخل إطار القصة القصيرة جدا بحثا عن تواصل مع المتلقي... في قراءة الكرسي الأزرق ننطلق بحثا عن رفعة، عن علو الشأن، عن القوة، لكننا نجد خيبات متتالية(بدون ستائر-قصيدة-سحابة عابرة-محو) نجدتناقضا و مفارقات( مطر و مطر-طوارئ-منصور) نجد إشارات:الجنس-اللاتواصل ( قوارير زرقاء-السوليما-محو-...المثير للدهشة إن الأزرق لون شفاف عميق رمز الماء و الهواء و الكريستال و البرودة.لكن لا يوظفه السارد بحثا عن اللامتناهي و عن النقاء .بل يتعمد تذكيرنا أن الأزرق لون عصفور السعادة المفتقدة. الأزرق هنا يوظف ببساطة لوضعنا أمام تناقضات الأحلام و الرغبات مع الواقع ليكثف الإحساس بالضغوطات التي تجثم على قلب الإنسان و قلب المجتمع الإنساني في قليل من الملائكة تستوقفنا تيمة الموت و تيمة الحب(الرجل-المرأة) مع استعمال للدارجة المغربية التي أعطت طعما خاصا لهذه المجموعة المتميزة بتقنية سردية تحاكي الفلاش السينمائي فيصبح السارد مخرجا سينمائيا خلف كاميرا الكتابة يمنحنا لحظات من رؤاه تجدل لقطات مكتنزة منالمبالغة//
حين نصل \"مطعم هالة\" نقف متأملين أمام سؤال يتردد بين الدهشة و الفتنة لماذا تيمة (الموت-الحياة)/(الحب-الخيبة)(الجنس) تنبت بين طاولات الحروف في أطباق ساخنة هل الذات الكاتبة تحمل في جوفها قلقا وجوديا مستحكما لم تنسفه الكتابة في المجموعتين السابقتين؟
يحاصرنا السؤال: هل صراع الإبداع هنا هو صراع الحب و الموت ؟ في القراءات الثلاث نخرج بانطباع كاسح: الحب محور كل فعل أو إحساس إنساني. انه محور الحياة، و كل ما يحصل في الواقع المعاش يحصل بفعل الحب أو نقيضه الذي ينتج الغياب_التغييب-الخيانة.... داخل المجموعات الثلاث الحب-الجنس له حضور مفصلي. الكاتب يستحضر موضوع الحس الجنسي عند هيغل في\"جدل الفكر\" أليس الحب-الجنس حاسة داخلية (الحس بالحرارة و الحس بالحركة و الحس بالجهد و الحس العضوي أليس الانجذاب بين المرأة و الرجل انجذابا حتميا لأنه نزعة نحو التكامل هذه الرغبة الكامنة في طبيعة كل منهما؟. أليس التكامل المنشود هو الحلم-الانتظار-الحل-العزاء-الأمل في انبثاق الكائن المكتمل الملئ بالحياة و طعمها المُز أحيانا و الحلو أحيانا أخرى؟. أليستالحياة كينونة الفرد مع نصفه و كل خيبة-خيانة-انفصال خروج عن جوهر الوجود ...أليس الحب فعل كينونة و الكينونة في حد ذاتها الم و معاناة...
لنخرج الآن من النصوص و من المجموعات الثلاثة التي اشتغلت على نفس التيمات لننظر إلى فعل الإبداع لدى عبدالله المتقي بشكل عام.انه متمكن من أدواته الفنية يجعل من التخييلات و من استحضار الذاكرة و من نسخ الواقع أداة للسحر بمنظومة صور تطرح إشكالية الحب-الحياة عبر كل التناقضات الموجودة في المجتمع الإنساني. هنا لا يسعنا إلا التسليم بان الحب(أو عدمه) يفجر شرارة الإبداع و يعلم الإنسان سحر الكلام و سحر الكتابة و سحر اللغة... أليس الحب هو الكلام-التواصل و الموت هو الصمت و نفي اللغة و طمس التواصل.اليس العمل الإبداعي لحظات تصاُرع و تحاور و نفي و تجسيد تقوم به الذات الكاتبة لتتخلص من تشابك اليومي على حافتها و لتنسجم مع الوجود و تغني الحياة في سيرورتها؟ ما نكتبه من نثر أو سرد أو منظوم هو مرآة لما نكنزه من ثقافة وحضارة و ما يتلبسنا من انتشاء بالحياة وحالات الفرح و ما يعتمل بدواخلنا من حزن وكلالمتناقضات شعور إنساني في نصوص المتقي...
أحيانا نجد الازدواجية و الثنائية و التعارض حبلا يشد به الكاتب سيرورة السرد لهتك الظلال بعيدا عن السقوط في السلبية يحاول بيان قوة المخبوء بحياد ليسبر غور الذات بشكل واع. ينكأ الجروح الداخلية محاولا تجاوز التردد و السقوط لينهض أقوى من الألم غنيا بالتجربة و الصفاء الروحي و أحيانا يتورط السارد في البحث عن المثالي و عن المقدس يتطرق إلى الموت ويشير إلى الوقت -الملل -الانتحار و الألم و المفارقات . مشتغلا على الذات ليصفيها من الشوائب مركزا على الأركانالثلاثة الأهم في الحياة: الجانب الروحي- الجانب العاطفي- الجانب المادي لان الحياة معاناة و عمل دؤوب على جهاد النفس الأمارة بالخطأ \"الخطايا\".في هذه النصوص يأتي السرد واقعيا واعيا بأن السيرورة تموجات بين العلو و الهبوط ...
أحيانا أخرى نجد السارد يجيد العزف على وتر الشرخ النفسي و الصراع الداخلي لشخوصه فاتحا لنا مرآة تعكس عالم المبدعين الملهمين الذين يتضايقون من التقاليد ومن العادات و الرتابة مما يجعلهم حادي المزاج و تقلب الطباع و في نفس الآن يكون الصراع محركهم لفعل الإبداع كفعل كينونة يمارسونها بتقلباتها حتى الثمالة.لأنها وسيلتهم القصوى للشعور بالحياة و لأنها حاجة ماسة للنقاء و للهروب من الأقنعة ومن الفشل. مثال فصيصة : -تطهير 1 ـ رجل عار، يعدو في الشارع العمومي 2 ـ في يده سكين يلمع. 3 ـ تعطلت لغة المرور. 4 ـ وقف الرجل بغتة، 5 ـ شرع في تقطيع، أذنيه، أنفه، و… ـ في المشفى، قال الرجل للممرضة: ـ \"كنت أنقي وجهي من الأقنعة\".
الكتابة نبوءة الصعوبات و ضرورة انفتاح الروحي-الداخلي على الجانب الواعي في المرء وفيأعمال عبدالله المتقي نلمح و نحس رغبة السارد في الخلاص- و نحس قدرته على التقاط التفاصيل النفسية لشخوصه و نحس الذات الساردة تدخل الجحيم كتابة و تخرج منه إبداعا لافحا.....
عزيزة رحموني اعلامية-مترجمة من المغرب